2015-06-01

رسالتي الثامنة إلى رفعت..


أحبك يا رفعت لأنك لست مثاليًا، ولا تدعي ذلك، ولا حتى تحاول أن تصبح كذلك. أحبك لأنك حقيقي جدًا، فأرى حتى قبحك جميلاً لأنه حقيقي.
أفكر كثيرًا هذه الأيام يا رفعت، في الشعرة بين أن نهتم بأنفسنا، ونحاول أن نكون أجمل، وأفضل، كأهم جميل يمكن أن نسديه للعالم، وبين أن ندعي المثالية والكمال. تلك الشعرة الفارقة بين أن "نكون" وأن "نبدو". 

أفكر لماذا أفضل دائمًا أولئك الواضحين بأخطائهم وعيوبهم وخطاياهم على أولئك الذين يظهرون لي وجهًا ملائكيًا وكأن الدنيا لا تعنيهم في شيء؟ هل لأنهم ـ المثاليين ـ  لا يأخذون مواقفًا حقيقية أبدًا؟ هل لأنني أراهم دمى بلاستيكية، وجهها يحمل انفعال واحد فحسب في كل الأحوال حتى لو كنت بصدد خلع رأسها أو ذراعيها ؟ أراهم مرعبين جدًا حتى أنني ـ على سبيل التغيير ـ أريد أن ألعب هذا الدور ليوم واحد!

أخافهم يا رفعت، لأن أولئك الذين يحاولون إخفاء نقصهم يكرهونه، ولن يتقبلون أبدًا نواقصي! أخافهم لأنهم يعتقدون أن ما يفعلونه إحدى علامات النضج، ولا أراه سوى محاولة طفولية للمكابرة، كتلك التي فعلناها مرارًا في صبانًا، حين كنا نكتم وجعنا وشعورنا بالقهر ونعلن بسماجة وابتسامة عريضة لوالدينا أن الضربة لم تؤلم! 

يقول النقاد الفنيون إن أي ممثل بإمكانه أن يلعب دور الشخصية الطيبة، ولكن الاحتراف الحقيقي يظهر في لعب دور الشخصية "الشريرة" بتركيبتها المعقدة جدًا. وكذلك الحياة يا رفعت، بإمكان أي شخص أن "يبدو" طيبًا، ومثاليًا جدًا، يكفي أن يرسم ابتسامة عريضة طوال الوقت، يتظاهر بتقبله للجميع طوال الوقت، يتماهى مع أي شخص يقابله، يلفظ كلامًا لطيفًا طوال الوقت، لكن الاحتراف الحق هو أن تعيش "حقيقيًا" تدفع ثمن مواقفك الحقيقية، تقول ما تود أن تقوله لا ما ينتظر الآخرون أن يسمعوه منك، تظهر بالشكل الذي تحبه، تبتسم لمن يبتسم لهم قلبك فعلاً، وتخلص حياتك ممن يشكلون عبئًا عليها.. أن تكون "حقيقيًا" لا تعني بالضرورة أن تكون "شريرًا" ولكن البعض سيرونك كذلك، وأحيانًا ستكون كذلك لأن هذه هي الحقيقة ! أنت "إنسان" يخطئ ويصيب، يظلم ويعدل، يغضب وينفعل ويحزن.. 

في طفولتي كان أبطالي المفضلين في السينما وشخصيات الكارتون هم الأطيّب، أو الأكثر مثالية ـ للدقة ـ ولكنني حين نضجت أصبحت أعجز عن التعاطف معهم، وبعد بعض الوقت أصبحت أكرههم حقًا.. ميكي، ذكية الذكية، سميرة أحمد، شمسة، أدهم صبري، وقائمة تطول لأولئك الأشخاص الذين أثق بأنهم ليسوا ملائكة، ولكنهم لا يصدرون لنا إلا هذا الوجه، يجعلوننا نشعر بالدونية والضعف، نحاول أن نطمس كل ملامحنا، نكبت مشاعرنا "الحقيقية" أملاً في أن نصبح "مثاليين" ونشبههم ولكننا في الحقيقة لا نشبه أحدًا ! 

أكرههم يا رفعت لأنهم ليسوا مثاليين ولكنهم يبدون كذلك.